السبت 27 أبريل 2024
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي
رئيس مجلسي الإدارة والتحرير
عبدالرحيم علي

تقارير وتحقيقات

بعد انخفاض الدولار هل تطبق الحكومة التسعيرة الجبرية لضبط الأسواق؟.. رئيس الوزراء: تخلق سوقًا سوداء.. خبراء: "قوانين مجاملة الحيتان" تمنع تطبيقها.. واقتصاديون يضعون روشتة للسيطرة على الموقف

صورة أرشيفية
صورة أرشيفية
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news
لماذا لا تطبق الحكومة التسعيرة الجبرية لضبط الأسواق بعد أن انخفض سعر الدولار مع استمرار فوضى جنون ارتفاع الأسعار والاحتكار وجشع التجار؟.. ففى تصريحات للمهندس شريف إسماعيل رئيس مجلس الوزراء، قال إن الحكومة لا يمكنها فرض تسعيرة جبرية على السلع أو تحديد أسعار السلع من منابعها فى المصانع، مؤكدًا أن ذلك سيطلق سوقًا سوداء لأسعار السلع وأن الحكومة تعتمد على آليات السوق الصحيحة التى لا توجد فيها ممارسات احتكارية للحفاظ على ضبط الأسواق وتوفير السلع، مطالبًا المواطنين بالإبلاغ عن أى مخالفات بالأسعار.
يأتى هذا فى ظل انفلات وجنون الأسعار بالأسواق بشكل شبه يومى، وكأن الحكومة تناقض نفسها وتهرب من المسئولية وتخشى مواجهة المستثمرين بتطبيق قانون منع الاحتكار وتطبيق التسعيرة الجبرية على الأقل فى السلع الضرورية من الأغذية التى لا يستغنى عنها أكثر من 65% من الطبقات التى أصبحت تحت خط الفقر بعد ارتفاع نسبة الفقراء فى مصر.



فهل التسعيرة الجبرية بالفعل تخلق سوقًا سوداء حسب رأى رئيس الوزراء؟ هنا يجيب الدكتور رضا عيسى، الخبير والباحث الاقتصادى، قائلًا إن عدم فرض تسعيرة جبرية يعبر عنه مواد بقانون الاستثمار الصادر عام 2015 وقبله قانون صدر عام 2002 وقبله قانون الحوافز وضمانات الاستثمار عام 98، فكل هذه القوانين تقول إنه لا يجوز للحكومة التدخل فى تحديد أسعار بيع السلع والخدمات أو هوامش الأرباح، فالحكومة هى التى ألزمت نفسها بسن هذه القوانين لأن الحكومة تعتبر أن هذه القوانين نوع من التشجيع على الاستثمار وتصريحات هذه الأيام بعدم فرض تسعيرة جبرية هو تطمين للمستثمرين، موضحًا أن مصر ثانى دولة فى العالم تعطى المستثمرين أرباحًا بأن تجعل سعر السلع حسب أهوائهم وحتى لا نلزمهم بكتابة السعر على السلع فتجد أن كل بقال يبيع السلعة بسعر مختلف.
أضاف عيسى، أن سوبر ماركت كارفور بمجرد أن رخّص بعض الأسعار وجدنا هجومًا شديدًا عليه وهذه مؤشرات تدل على أنها ضاقت جدًا على المواطنين لدرجة أنهم ينتظرون أى تخفيض للأسعار، بينما الحكومة رأت هذه الطوابير وأن الشعب معه أموال، مضيفًا أن الحكومة زودت سعر الدواء مجاملة للمستثمرين ولم تخش على المواطنين من مواجهة زيادة الأسعار فى ظل ثبات الرواتب والدخول.
وتابع عيسى، أن المنظومة الحالية للحكومة خاطئة لأنها رفعت سعر الدولار دون أن تحمى المواطن من غلاء الأسعار ولم تقم بتكوين مخزون لديها يكفى المواطنين لستة أشهر وترفع الأسعار بالتدريج، مضيفًا أن الأزمة كبيرة بالفعل وعواقبها ستظهر بشدة فى الشركات الصناعية خلال الأيام المقبلة لأنها مديونة بالدولار وديونها قد تضاعفت، متابعًا أن هناك منتجات مصرية محلية الصنع وليس لها علاقة بسعر الدولار ولكنها زادت مثل الأسمنت ولكن ملاك الشركات أجانب ويحولون أرباحهم لليورو والدولار، وبالتالى زاد سعر الأسمنت، مؤكدًا أن هناك نظرية خاطئة تسير بها الحكومة لا بد من تصحيحها.



من جانبه قال الدكتور جمال صيام، أستاذ الاقتصاد بجامعة القاهرة: بالفعل فرض تسعيرة جبرية ليس حلًا لمشكلة رفع الأسعار فى مصر لأننا نسير باقتصاد السوق، حيث تحولنا منذ التسعينيات من اقتصاد قائم على التخطيط والتوجيه المركزى إلى اقتصاد السوق الحر، وبالتالى تم تحرير الأسعار وإطلاق قوى العرض والطلب وآخر سلعة تحررت هى الدولار، متسائلًا: لماذا ترتفع أسعار الخضراوات والفواكه رغم أن لدينا فائض كبير منها؟ مجيبًا أن هذا يرجع لسوء الخدمات التسويقية والوضع الاحتكارى للسلع، والحل هو تحديد هامش الربح من قِبل الحكومة لأنه يسهل تطبيقه دون تطبيق تسعيرة جبرية.
وأضاف صيام، أنه لا يمكن أن نطبق التسعيرة الجبرية على المنتج النهائى ونترك المدخل الأصلى لها، فمثلًا هل نطبق التسعيرة الجبرية على الطماطم ونترك الأسمدة سعرها فى ارتفاع مستمر، فهذا سيعيدنا 20 سنة إلى الخلف، فآليات السوق الحر معروفة وهى المنافسة ومقاومة الاحتكار ونحن لا نتبعها رغم أن لدينا قانونًا لمقاومة الاحتكار لكنه لا يطبق على أرض الواقع، مضيفًا أن ارتفاع الأسعار سببه الأساسى هو تحرير سعر الدولار لأن قبل هذا القرار كانت الأسواق جيدة ولم ترتفع بهذا الجنون الذى نراه حاليًا، مشيرًا إلى وجود خلل فى الرقابة وتنظيم السوق.
تابع صيام، أن هناك تقصيرًا وفشلًا فى سياسات الحكومة الاقتصادية لضبط الأسواق، مؤكدًا أن الحل يأتى فى أن السلع الغذائية الأساسية لا بد من عمل هامش ربح لها كالبقوليات ورغيف العيش والزيت والدواء وغيرها من السلع الضرورية، إضافة إلى زيادة الإنتاج لأن ارتفاع الأسعار أحد أسبابه الأساسية هى قلة الإنتاج لأننا نستورد أكثر مما ننتج.


من جانبه قال محمد أبو الفتوح نعمة الله، مدير مركز وادى النيل للدراسات الاقتصادية والاستراتيجية، إن هناك أنشطة احتكارية تسعرها الحكومة وذلك متبع في العديد من القطاعات كالمرافق العامة من كهرباء ومياه وصرف وتعريفة الاتصالات وغيرها، كذلك هناك قطاعات وصناعات محتكرة وملوثة وتكلفتها الاجتماعية مرتفعة وتبيع بأعلى من الأسعار العالمية رغم دعم الدولة لها في الطاقة والخامات وغيرها، وأبرز أمثلة لتلك الصناعات الأسمنت والأسمدة والحديد والصلب والتي لا تكتفي بالدعم الحكومي رغم أنها صناعات خاصة؛ بل تطالب بحماية مرتفعة لمنع الاستيراد أو فرض هامش ربح مرتفع، فالحكمة تقتضي تسعير الدولة لحصة من الإنتاج تحصل عليها وتقوم بتوزيعها من خلال آليات محددة، كتوزيع الأسمدة من خلال المجمعات، والأسمنت المُسعر من خلال التعاونيات والمشروعات الحكومية كالإسكان وكذا في مجال الحديد والصلب وحديد التسليح مثلًا، مع السماح للتعاونيات وصناديق الادخار بالدخول لتلك الصناعات ومنحها تسهيلات لموازنة الأسعار بالأسواق، مع وضع ضوابط معتدلة للاستيراد لتنويع العرض والحفاظ على حقوق المستهلك، أما في مجال السلع الاستهلاكية والاستراتيجية فلدى الدولة العديد من الآليات التي يجب استخدامها للحد من الاحتكارات والمضاربة على الأسعار والتلاعب بالأسواق وحقوق المستهلك، خصوصًا مع التأثيرات السلبية للسياسات المصرفية والاقتصادية على المواطن المصري الذي فقد نحو 70% من أجره الحقيقي ومدخراته، وارتفعت الأسعار وأعباء المعيشة للضعف أو أكثر خلال عدة أشهر، بينما لم تزداد قيمة الأجور بذات القيمة وفقدت المدخرات النقدية أكثر من ثلثي قيمتها دون أي سبب، في الوقت الذي تشهد فيه الأسواق انعدام رقابة حقيقي على الجودة والأسعار، فنجد السلع المغشوشة والمقلدة والمنتهية الصلاحية بل والمسرطنة تباع علنًا بالأسواق، ونجد شيوع المضاربة والاحتكار والتلاعب بالأسواق والأسعار في العديد من الأسواق الرئيسية للسلع والخدمات والعديد من قطاعات الاقتصاد.
وطالب أبو الفتوح، الحكومة بتفعيل رقابة حقيقية وصحية على الأسواق والسلع تخضع لها كل السلع المعروضة للمستهلك، وتوفير بدائل رخيصة من خلال المخصصات التموينية ومن خلال التعاونيات الانتاجية والاستهلاكية وتقديم تسهيلات ودعم حقيقي للتعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية غير الهادفة للربح، إضافة إلى تفعيل وتقنين الدور الرقابي لروابط وجمعيات حماية المستهلك وإمدادها من خلال مؤسسات الأبحاث والجامعات بالمواصفات القياسية للسلع والخدمات وبأسعار تكلفة الإنتاج لمختلف المنتجات والسعر العادل لها في إطار مواصفاتها وجودتها، وضرورة تفعيل دور النقابات ومؤسسات البحث العلمي لخطورة دورها في حماية حقوق المستهلكين ومنتسبيها، فضلًا عن الحفاظ على مقتضيات تطوير مختلف المهن وأخلاقياتها، والأهم ضرورة اتاحة سلع معفاة من الجمارك والضرائب للمستهلكين ضمن منظومة الحد من الآثار السلبية للسياسات الاقتصادية وخاصة لمحدودي الدخل والفئات الأكثر فقرًا والتي تمثل أكثر من 75% من المصريين طبقًا للمعايير الدولية وخاصة بعد القرارات الاقتصادية الأخيرة.
تابع نعمة الله، أنه يجب على المستهلكين التوحد والدفاع عن حقوقهم وإنشاء التعاونيات الإنتاجية والاستهلاكية ومطالبة الحكومة بتقديم مختلف أنواع الدعم والتسهيلات لها أسوة بما هو متبع عبر العالم، مضيفًا أنه للاسف في مصر يطالب البعض بأقصي درجات الحرية الاقتصادية للمستثمرين ورجال الأعمال مع فرض حماية مطلقة لهم بزعم حماية الصناعة، في الوقت الذي لا توجد الحماية والضمانات التشريعية والرقابية لحقوق المستهلك، فهم يريدون دولة مانحة لهم للثروات والاحتكارات والموارد وحارسة لأموالهم واحتكاراتهم في مواجهة الشعب المسكين الذي لا يجد أبسط درجات الحماية والرعاية لحقوقهم التي تفرضها قواعد الأنظمة الليبرالية والرأسمالية ذاتها، فهم يريدونها دولة رأسمالية لا تنظر إلا للمستثمرين وامتيازاتهم بينما تتغاضى عن دورها الرقابي والمؤسسي وحقوق المستهلكين.